من العذاب الوان!
من العذاب الوان!
كان شارعنا هادئا جدا لم تكن به سوي محلات قليلة "سوبر ماركت" و مكتبة و "بوتيك" يبيع تحف صغيرة و العاب اطفال..الآن لم تعد هناك مكتبة و لا بوتيك و لم يعد شارعنا بالهدوء الذي كان عليه..فمحل البوتيك اصبح سنترالا للاتصالات و كروت المحمول ..ثم ظهر في يوم ما احد اندية الجيم و رفع الاثقال و بعدها حل محل المكتبة جزار!
نعم فالمكتبة الآن لا تسمن و لا تغني صاحبها من جوع و كان مجيئ الجزار يوما يشهد له التاريخ لما فعله يوم الافتتاح! كان صاخبا للغاية و اتي ب "دي جي" مخصوص و احال ليل الشارع الي نهار فقررنا حينها ان نخرج و نعود في ساعة متأخرة حتي تنتهي الضوضاء ..لكنه كان اعد لنا مفاجأة باسمة فلقد قام بحفل افتتاح مرة اخري بعدها بأسبوع! و ذلك لانه لم يجد اقبالا علي محله كما توقع لان اللحمة اصبحت ترفيها هذة الايام فظن ان ذلك عيبا في حفل الافتتاح فأعاد الكرة مرة اخري لكنه قرر ان يجعل المنطقة باسرها تعرف بأمر متجره!..كالعادة البالون الذي يتلوي في صورة مستفزة و الدي جي الذي يضخم اغان لا حصر و لا عدد لها و بعد فترة قرر المحل ان يمتعنا بصوته العذب!
فحين فجأة وجدنا صوتا قويا من انكر الاصوات يخترق خصاص النافذة و زجاجها الذي لم يقاوم امام قوة صوته و انطلق في حالة فريدة من المتعة يشجينا بأغانِ لم نسمع عنها من قبل و لك ان تتخيل كيف يكون الامر حين يغني جزار!!
ينطلق من اغاني شعبان عبد الرحيم و يختم كل مقطع بال" إييييه"! المفضلة ثم ينتقل الي اغاني عبد الحليم حافظ و يكرر " قولوله ..قلولو له" و يكرر الكلمة كأنما اعجبته حتي تكاد تظن انه جن اخيرا جراء هذا الضجيج لكنه يعود و يبدأ اغنية فايزة احمد " التمر حنة" !!
..و مر الليل كله علي هذة الوتيرة حتي كدت ابكي غيظا و اتلصص علي ما يحدث في الشارع فأجد المارة يروحون و يجيئون كما هو معتاد و كأنه لا يحدث اي شيئ غريب ..البعض يستوقفه المشهد الغريب ثم يكمل طريقه و كأن كل هذا الضجيج لا يزعج احد سواي!.و تخيلت حينها مشهد فريد شوقي في فيلم " بداية و نهاية" عندما كان يغني بالإكراه و يجبر الجميع علي الاستماع لصوته تحت تهديد العنف!
انتصف الليل اخرا و بدأت بشائر اعتزال الجزار المطرب للغناء ..فقرر انهاء الحفلة بأغنية يبدو انه من قام بتلحينها و تأليفها كذلك ..كان احد المقاطع " حاشهدك يا زمان ..واوريك من العذاب الوان"!..ايقنت حينها انه يخاطبني انا بالذات بهذة الجملة و انه بالتأكيد يعني كل حرف فيها!..و بعدها هدأت الامور اخيرا و رحل الجميع و صار الجزار من مفردات شارعنا ..في كل مرة لا انسي تلك الليلة الموعودة كما اني لا انسي انه احتل محل المكتبة الاثيرة لتي كنت ابتاع منها الكشاكيل و الكتب الخرجية في الدراسة ثم ما وراء الطبيعة في الصيف ..لم يعد هناك مكان الآن للمكتبة او البوتيك الصغير ..رحلا كي يفسحا مكانا لثقافة العصر الجديد من كروت شحن و مستلزمات المحمول رغم اننا نزداد نفورا من بعضنا البعض كل يوم مع كل هذا التقدم في الاتصالات
..اصبح الآن العصر الذهبي للصخب و السوقية في كل شيئ ..في الكلام و الالفاظ و الغناء و مظاهر الاحتفال..بل اصبحنا الآن نتباري فيمن يستطيع السبق في ابداع سوقي جديد للفظة بذيئة او اغنية اكثر بذاءة..ورغم اننا تعودنا علي ذلك و باتت البذاءة و السوقية امر واقع إلا انه كلما ظننا ان الامر وصل الي قمته في السوء و لم يعد هناك اسوأمن ذلك تفاجئك العقليات المبتكرة بمزيد من الابتذال لتترحم علي ما كنت تنتقده سابقا!
يقال انه كلما ساء وضع الامة اقتصاديا و قوميا كلما ازدادت السوقية شراسة و تغولت اكثر لتنهار معها قيم اخلاقية جديدة ..وهذا الذي يدور الآن تطبيق حرفي لتلك النظرية و ربما يكون التطبيق الوحيد الذي اجدناه حقا لاحدي النظريات,,لكن المخيف حقا هو كيف سيكون الامر خلال سنوات قليلة قادمة وفقا للمعدل السريع المنحدر في الذوق العام و الخاص و ثقافة الاغاني الهابطة و التنافس في الابتذال الكلامي و الاخلاقي..فربما يصبح هذا الجزار مطربا شهيرا يتهافت عليه الناس و يذيقنا جميعا فعلا " من العذاب الوان" كما وعد!
كان شارعنا هادئا جدا لم تكن به سوي محلات قليلة "سوبر ماركت" و مكتبة و "بوتيك" يبيع تحف صغيرة و العاب اطفال..الآن لم تعد هناك مكتبة و لا بوتيك و لم يعد شارعنا بالهدوء الذي كان عليه..فمحل البوتيك اصبح سنترالا للاتصالات و كروت المحمول ..ثم ظهر في يوم ما احد اندية الجيم و رفع الاثقال و بعدها حل محل المكتبة جزار!
نعم فالمكتبة الآن لا تسمن و لا تغني صاحبها من جوع و كان مجيئ الجزار يوما يشهد له التاريخ لما فعله يوم الافتتاح! كان صاخبا للغاية و اتي ب "دي جي" مخصوص و احال ليل الشارع الي نهار فقررنا حينها ان نخرج و نعود في ساعة متأخرة حتي تنتهي الضوضاء ..لكنه كان اعد لنا مفاجأة باسمة فلقد قام بحفل افتتاح مرة اخري بعدها بأسبوع! و ذلك لانه لم يجد اقبالا علي محله كما توقع لان اللحمة اصبحت ترفيها هذة الايام فظن ان ذلك عيبا في حفل الافتتاح فأعاد الكرة مرة اخري لكنه قرر ان يجعل المنطقة باسرها تعرف بأمر متجره!..كالعادة البالون الذي يتلوي في صورة مستفزة و الدي جي الذي يضخم اغان لا حصر و لا عدد لها و بعد فترة قرر المحل ان يمتعنا بصوته العذب!
فحين فجأة وجدنا صوتا قويا من انكر الاصوات يخترق خصاص النافذة و زجاجها الذي لم يقاوم امام قوة صوته و انطلق في حالة فريدة من المتعة يشجينا بأغانِ لم نسمع عنها من قبل و لك ان تتخيل كيف يكون الامر حين يغني جزار!!
ينطلق من اغاني شعبان عبد الرحيم و يختم كل مقطع بال" إييييه"! المفضلة ثم ينتقل الي اغاني عبد الحليم حافظ و يكرر " قولوله ..قلولو له" و يكرر الكلمة كأنما اعجبته حتي تكاد تظن انه جن اخيرا جراء هذا الضجيج لكنه يعود و يبدأ اغنية فايزة احمد " التمر حنة" !!
..و مر الليل كله علي هذة الوتيرة حتي كدت ابكي غيظا و اتلصص علي ما يحدث في الشارع فأجد المارة يروحون و يجيئون كما هو معتاد و كأنه لا يحدث اي شيئ غريب ..البعض يستوقفه المشهد الغريب ثم يكمل طريقه و كأن كل هذا الضجيج لا يزعج احد سواي!.و تخيلت حينها مشهد فريد شوقي في فيلم " بداية و نهاية" عندما كان يغني بالإكراه و يجبر الجميع علي الاستماع لصوته تحت تهديد العنف!
انتصف الليل اخرا و بدأت بشائر اعتزال الجزار المطرب للغناء ..فقرر انهاء الحفلة بأغنية يبدو انه من قام بتلحينها و تأليفها كذلك ..كان احد المقاطع " حاشهدك يا زمان ..واوريك من العذاب الوان"!..ايقنت حينها انه يخاطبني انا بالذات بهذة الجملة و انه بالتأكيد يعني كل حرف فيها!..و بعدها هدأت الامور اخيرا و رحل الجميع و صار الجزار من مفردات شارعنا ..في كل مرة لا انسي تلك الليلة الموعودة كما اني لا انسي انه احتل محل المكتبة الاثيرة لتي كنت ابتاع منها الكشاكيل و الكتب الخرجية في الدراسة ثم ما وراء الطبيعة في الصيف ..لم يعد هناك مكان الآن للمكتبة او البوتيك الصغير ..رحلا كي يفسحا مكانا لثقافة العصر الجديد من كروت شحن و مستلزمات المحمول رغم اننا نزداد نفورا من بعضنا البعض كل يوم مع كل هذا التقدم في الاتصالات
..اصبح الآن العصر الذهبي للصخب و السوقية في كل شيئ ..في الكلام و الالفاظ و الغناء و مظاهر الاحتفال..بل اصبحنا الآن نتباري فيمن يستطيع السبق في ابداع سوقي جديد للفظة بذيئة او اغنية اكثر بذاءة..ورغم اننا تعودنا علي ذلك و باتت البذاءة و السوقية امر واقع إلا انه كلما ظننا ان الامر وصل الي قمته في السوء و لم يعد هناك اسوأمن ذلك تفاجئك العقليات المبتكرة بمزيد من الابتذال لتترحم علي ما كنت تنتقده سابقا!
يقال انه كلما ساء وضع الامة اقتصاديا و قوميا كلما ازدادت السوقية شراسة و تغولت اكثر لتنهار معها قيم اخلاقية جديدة ..وهذا الذي يدور الآن تطبيق حرفي لتلك النظرية و ربما يكون التطبيق الوحيد الذي اجدناه حقا لاحدي النظريات,,لكن المخيف حقا هو كيف سيكون الامر خلال سنوات قليلة قادمة وفقا للمعدل السريع المنحدر في الذوق العام و الخاص و ثقافة الاغاني الهابطة و التنافس في الابتذال الكلامي و الاخلاقي..فربما يصبح هذا الجزار مطربا شهيرا يتهافت عليه الناس و يذيقنا جميعا فعلا " من العذاب الوان" كما وعد!
7 Comments:
فكرتينى بمحل فتح تحت عمارتنا .... المحل دة كل شهرين يفتح حاجة شكل مرة سنترال و مرة موبايلات و مرة ملابس و مؤخراً فتح ملابس برضه و كل مرة محدش يدخل و يقفل و نضطر نسمع نفس الاغانى .... المرة اللى فاتت رجعت البيت لقيت نفس البالون المستفز و الاغانى الفظيعة دى اللى شعبان عبد الرحيم بالنسبة لها قمة الرقى المهم اتصدمت و رحت بكل براءة بقوله ناويين تخلصوا امتى لأن الصوت عالى جداً قاللى لأ لسة شوية كدة .... سكت و مشيت و حزنت على الحال اللى احنا فيه . اما بخصوص المكتبة اللى جمبينا فقفلت و فتح مكانها محل لبيع اللحوم المجمدة عقبال عندك كدة
السلام عليكم
أخيرا لاقيت حد حاسس باللي جوايا و قدر يكتبه
أنا باحاول كتير أقول للناس كد بس كحدش مصدقني
تحسي إننا في مسلسل قديم يعني حتي شوفي المحل أتحول من مكتبة لمحل جزارة يعني مش أي حاجة لا المكتبة خصوصا
منتهى اللادمية والله
ربنا يصلح الاحوال
أنا مش عارف جيت الموقع ده ازاي بس قريت المواضيع كلها و عجبتني كتير و هضيف الموقع لمفضلتي و شكراا
أولا تحياتى
ثانيا أنا اسمى لبنى شكرى باحثة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أقوم بعمل دراسة عن المدونات المصريات من أجل الحصول على درجة الماجستير. و يسعدنى أن تكون مدونتك من ضمن المدونات التى يشملها البحث. . لذا أرجو أن ترسلى لى بريدك الالكترونى حتى اتمكن من إرسال الاستبان و طبيعة الدراسة إليك
رجاءا حارا مدة المشاركة مفتوحة من 19 إلى 24 أكتوبر
شكرا لتعاونك
lobnabona@yahoo.com
مينا
ثقافة العصر الحالي..الهبوط العام في الذوق و الاخلاق و الغريب ان محدش بيضايق من كدة و يستغربوك لما تبدي ضيقك
مرسي للمرور
no fear
و عليكم السلام و رحمة الله
بالظبط؟؟المكتبة انضمت الي قايمة الكائنات المنقرضة مالهاش مكان في عصر بقي الابتذال هو المهيمن
anonymous
ربنا يصلحها يرب
anonymous
مرسي انك جيت المدونة يا فندم و مرسي للقراءة
لبني شكري
تحياي ليكي يا لبني..اتفضلي اعملي البحث زي ما تحبي و بالنسبة للايميل موجود في البروفايل بتاعي ابعتي عليه زي ما تحبي و في الانتظار و بالتوفيق في البحث
Post a Comment
<< Home