كيلا نفقد حصان الاسكندر
يروي قديما انه في زمن الاسكندر الاكبر كان هناك حصانا عجز الجميع عن ترويضه فكان شديد العصبية يقفز قفزات لا يتحملها الراكب فيسقط من علي ظهره
كان الحصان يدعي" بوسفيل" و سري الحكم علي هذا الحصان انه حصان شرير و تم التعامل معه علي هذا الاساس لكن الاسكندر الاكبر عندما سمع بهذا الحصان و ما يقال عنه اراد رؤيته ..وبالفعل ذهب احد رجال الاسكندر يحاول ركوبه و رآه الاسكندر في بداية الامر هادئا سمح للراكب ان يمتطيه ثم فجأة ما ان بدأ بالتحرك و كأنه مسه الجنون ..رآه يقفز بشكل لم يره من قبل فسقط الراكب من علي ظهره و هو سيبه و يلعنه ويركله
..لكن الاسكندر لاحظ ان الحصان كان هادئا ثم بدأ يقفز من شدة الخوف و لكنه لم يعرف سبب هذا الفزع المفاجئ رغم هدوئه اول الامر ..وبعد عدة ملاحظات وجد الاسكندر ان الحصان يخاف ظله!
و كلما خاف اخذ يقفز و هكذا يقفز الظل معه فيزداد خوفا و فزعا !..و عندما فطن للسبب قام الاسكندر برفع رأس الحصان باللجام كيلا يري الارض و لا يلمح ظله و بذلك هدأ الحصان و صار حصان الاسكندر المفضل!
فحقا اسوأ الامور التي قد ترتكبها في حق نفسك هي ان تحكم علي الظاهر من الامور بل و في بعض الاحيان التعجل يعميك عن بعض الامور الواضحة لتحكم جزافا و هذا من اسوأالامور ليس فقط في حق من امامك لانك بذلك تظلمه و تبخسه حقه ..بل ايضا لان ذلك يحرمك انت نفسك من رؤية الحقيقة و من التعمق و الصبر حتي تصل اليها فتأتي لك الامور بصورة مشوشة
..و بما ان الصورة تكون غير واضحة فبالمثل قرارتك التي ستتخذها ستكون في منتهي البلبة لانها لم تبن علي اي اساس من الصحة ..فلقد بنيت علي التعجل و العصبية ..والعكس صحيح ..قد يكون هناك شخصا او شيئا ما امامك صفاته الخارجية في منتهي الجمال و البهاء و تتسرع في الحكم عليه بهذة الصورة النوارانية التي تراها دون ان تتوقف و لو للحظة كما فعل الاسكندر لتتأمل ما امامك بعمق فتعرف الصواب من الخطأ
فعند اي معضلة تواجهنا نجد ان العصبية و التوتر ينجحان في توجيهنا الي اتخاذ اكثر القرارات طيشا لاننا لا نتأمل و لا نبحث عن اصل المشكلة تماما كما في خلافنا مع الاشخاص و مواجهتنا لشخض –كالحصان مثلا- اطلق الناس عليه الحكم مسبقا بكونه حصان شرير لكنهم لم يتروّا قليلا ليدركوا انه فقط حصان خائف!
فالاحكام المطلقة هي اسوأ انواع الاحكام التي قد يطلقها المرء علي الامور و الاشخاص و المواقف ..وقد تكون سببا في خسارته للكثير لانه لم يصل للابعاد كلها فقط اكتفي بالبعد الذي يراه امامه و لم يلتفت يمينا و يسارا لمزيد من الرؤية و التوضيح الذي بالتأكيد انت في حاجة اليه لانك بشر و لانك لا تملك اصدار الاحكام المطلقة من نوعية "هذا قبيح" و "هذا شرير" بل بعد فترة ربما تندهش كيف اطلقت عليه لفظ قبيح و انت لم تر اجمل منه قط!
فالتسرع سهل جدا و اصدار القرارات دون المام بالامر لا يوجد اسهل منه ..اما الاصعب هو التأني و اعمال العقل للحظات قليلة قد لا تكلفك اي شيئ لكنها توفر عليك الخوض في معارك وهمية قد لا تكون لهااي مبرر سوي فهمك الخاطئ للامور او لاحد المواقف
و بالمثل قد تخسر ماديا و معنويا اذا لم تبحث عن السبب الفعلي وراء القشرة التي تبرز لك من الاشخاص و الامور ..تماما كما فعل رجال الاسكندر جميعا فلم يقدر اي منهم علي كشف السبب لانه لم يكن يريد ان يراه من الاساس بل اكتفي بأول نتيجة ظهرت له مضافا لها رأي الاخرين و اصددر حكمه مثلهم ان الحصان لا يصلح للركوب
فقد شخصا واحدا امهل عقله فرصة للتفكير و عرف السبب فعالجه في لحظات بسيطة ..بسيطة نعم ..لكن لحظات مثلها جعلته الاسكندر الاكبر!