كلام

الشارع دة رحنا فيه المدرسة ..اللي باقي منه باقي و اللي مش باقي اتنسي كنسوه الكناسين بالمكنسة بدموعي في لحظة اسي انا برضة كمان نسيت صلاح جاهين

Name:
Location: cairo, Egypt

Tuesday, February 05, 2008

ماء و خضرة ..و وجه حسن

ماء ..و خضرة ..و وجه حسن!

فجأة و بدون اي مقدمات قرر ابي و امي الذهاب في جولة قصيرة تفقدية كنوع من انواع العودة للجذور البعيدة لوالدتي و كنوع من الترفيه لي خاصة اني لم ار تلك البلدة منذ صغري
تقع البلدة علي الطريق الزراعي ما بين محافظتي القليوبية و الشرقية لكنها تتبع محافظة الشرقية اكثر ..ظننت اننا علي سفر و ان الطريق سيطول بنا لكن لم يستغرق الوقت سوي ساعة و نصف بالتمام و الكمال..كانت اخر مرةزرت البلدة الصغيرة او العزبة كما يطلق عليها الاهالي هناك منذ ان كنت في العاشرة من عمري و كنت لا اتذكر سوي ذكريات مبهمة اهمها رائحة الفحم التي كنت استنشقها اثناءالسفر و بالفعل ما ان تركنا العاصمة بزحامها و ضجيجها و بدأ طريق الزراعي الجميل في الظهور ظهرت الترعة علي يميننا ..بدأت صغيرة ثم اخذت تزداد اتساعا و علي الجانب الاخر بيوتا كثيرة بعضها قديم يبدو علي لونه الترابي و البعض بني حديثا من الطوب الاحمر بالقرب من الطريق.. لم استطع رفع نظري عن الجانب الايسر لشدة خضار لونه طيلة الطريق .فالغيطان كانت في ابدع صورة..غيطان الارز ذات المساحات الشاسعة و اللون الاخضر شديد الغني يريح العين ..تتغير الصورة قليلا حين تري بعض المساكن التي بنيت في وسط الارض الزراعية ضاربة بعرض الحائط كافة قوانين الزراعة ثم تعود الصورة من جديد ..كان المحصول الاكثر انتشارا طيلة الطريق هو المانجو ..نجده في كل مكان..و تجد رائحته طيلة الطريق ..حدائق كبيرة من اشجار المانجو و علي الطريق اكشاك بسيطة كثيرة لاتبيع سواه كفاكهة وحيدة و لا يبعدها عن بعضها البعض سوي امتار قليلة
و كما توقعت و اختزنت من مشاهد طفولتي كانت الرائحة هي الاولي ..طغت علي رائحة المانجو ثم ظهرت مصانع الفحم البدائية و التي يعمل بها الكثير من اهل القري و منهم صغار السن الذين يجلسون وسط الاخشاب المحترقة و التي لا يقدر احد علي استنشاق رائحته طويلا الا بضع ثوان قبل ان يختنق ..اتعجب من وجوه الاطفال الذيم يتنقلون بين صفوف اخشاب الشجر المقطوعة و يعملون داخل محارق الخشب دون ان يظهر اي تعب عليهم ..نعبر تلك المناطق لتعود الصورة خضراء من جديد ..تبدأ نفسي في الاسترخاء و امد قدمي امامي و انا اتابع ذلك المشهد الساحر ..اري القناطر الصغيرة التي بنيت بعرض الترعة الكبيرة للتحكم في المياة و علي يساري مئات الافدنة الخضراء الجميلة ..تمر دقائق و نجد منطقة صناعية ضخمة يوضح ابي لي انها مصانع ابو زعبل المختلفة و التي قصفت في1967 فهناك مصانع اسمنت و اسمدة وكبريت ..ثم تحسست عنقي و انا اقرأ اللافتة الكبيرة التي كتب عليها " مجمع سجون ابي زعبل و المرج" و اري عربات الشرطة يجلس افرادها خارجها يتمازحون و السور العالي الممتد للسجن يحجب عالما مخيفا بداخله اختلط فيه المجرم بالمعتقل السياسي باخرين
..تعود الحقول الخضراء من جديد فيعود الهدوء لنفسي انزع نظارة الشمس لاري افضل متجاهلة حرارة الشمس و اتأمل انعكاس اشعتها علي صفحة المياة و علي الغيطان ..نتوقف عند نقطة تفتيش صغيرة فتهب رائحة المانجو قوية و اري اقفاص مانجو يتم رصها داخل احدي سيارات النقل الكبيرة و يتناول الاطفال فتية و فتيات الاقفاص من يد الي يد ..املأ صدري برائحة المانجو الجميلة و نكمل سيرنا
..يتراءي لنظري مراجيح حديدية و عربات متصادمة علي جانب الطريق نتمهل في سيرنا من الازدحام فالمح صورة كبير" للسيدة مريم العذراء " و اري محلات تبيع الحلوي من كل نوع و الحلويات المختلفة و محلات تبيع ادوات زينة حريمي و اخري تبيع طراطير جميلة و يزداد اعداد المراجيح و الالعاب المختلفة و اري كثير من الناس يتجهون الي سرادق علي ضفة الترعة و لافتة كبيرة كتب عليها ان احد اعيان البلدة يرحب بالزائرين في مولد السيدة العذراء..
ما لفت انتباهي اكثر هوكثرة و انتشار التوك توك و شيوعه بكثافة طيلة الطريق و داخل القري تارة تجده ينقل ركابا و تارة ينقل اقفاص مانجو و تارة تجد احدهم قد قلبه راسا علي عقب كي يغسله بجور الترعة!..المح المعديات التي تنتشر طيلة الطريق كي يعبر الناس من الضفة للاخري ..و اخيرا وصلنا الي البلدة او العزبة كما مكتوب علي اللافتة و مررنا علي المسجد فذهب ابي ليلحق بصلاة الجمعة و اتجهت مع والدتي الي البيت الذي كنت اذكر القليل عنه
..نسير في الممر الضيق ثم نجد انفسنا امام واجهة المنزل الذي اصبح اطلالا فيما عدا غرفتين و حماما جددهما ابي و اخوالي حديثا ..اسأل امي عن السبب في ان احدا لا يأتي كثيرا فتمط شفتيها و تتنهد و تتحدث في اقتضاب عن الانشغال ..اتأمل حال المنزل و اتأمل الحقول المحيطة شديدة الخضرة و اشعر بالحسرة حقا..بعد ان استراحت امي قليلا اتجهنا الي واجهة المنزل و جلسنا قليلا تحت ظل شجرة وارفة مازالت علي حالها منذ صغري ..اتأمل الصبية الذين يعملون بيعدا في الحقول و هم يجمعون ثمار المانجو الذي يبدو انه لا احد يزرع فاكهة غيرها بالمنطقة..يمر بجوارنا احدهم و يقدم لنا بعض الثمار فأكاد ابكي لاني قررت ان اصوم اليوم دون سواه من الايام!..اتأمل امي بغيظ و هي تستمتع بطعم المانجو فامضي بين الغيطان و تلحق بي لنسير معا ..نعبر احدي القناطر الصغيرة -التي سقطت بداخلها قديما و امضيت اليوم كله وقتها ابكي- ..نستمر في السير داخل الحقول حتي نصل الي الشجرة التي تذكرتها فور رؤيتها و الذي يشكل جذعها اريكة مثالية
..تنتهي صلاة الجمعة فيعود ابي و معه احد الرجال ادقق قليلا في ملامحه ثم اتذكر " عم حمص" كما كنا نناديه في صغرنا و الذي كان يسمح لنا بركوب حماره و نحن صغار اتأكد من امي متسائلة " مش دة عم حمص؟"..تحدقني امي بنظرة محذرة و هي تؤكد علي الا اقول له ذلك فلقد اصبح عم حمص ..الحاج محمد!.
.اتركهم يتحدثون و امضي قليلا بين الحقول و انا افتقد ذكريات الماضي حين كانت العائلة كلها تجتمع في بيت العائلة الذي صار اطلالا و اكاد اري اخوتي و اقاربي و هم يلعبون " الاستغماية" بين الحقول و كانوا لا يسمحون لي بمشاركتهم اللعب لصغر سني وقتها لكنهم يسمحون لي بالركض كالبلهاء وسطهم!..اتنهد بعمق و اشعر بوحدة شديدة .. و انظر حولي لاملأ عيني باللون الاخضر العذب و المح طيور ابي قردان تقفز بين الاشجار و تأكل اشياء ما من الارض ..فجأة اسمع صوت كروان فاندهش لاني تعودت علي سماعه ليلا فقط ..يتردد صوته في الفضا ء الواسع فينشرح صدري و اعود لاجلس معهم ..تمضي الساعات و عم حمص الذي صار الحاج محمد يصر علي ان نتناول الغذاءمعهم و يغرينا بالفطير المشلتت و الحمام و انا اكاد ابكي من فرط هذا التعذيب و كأني لم اجد سوي اليوم لاصومه!..يعتذر ابي و يعده بتكرار الامر فيما بعد و نرحل بعد ان اختزن صورة الخضرة الشاسعة حولي و انا اسمع صوت الكروان من جديد و استعد للعودة للقاهرة من جديد
اشعر بالحزن لعدم توفر الفرصة لاجتماع العائلة كما في الماضي فلقد كبر الصغار و انشغل كل منهم بحياته و اسرته الجديدة و الكبار لم يعد لديهم اللياقة و الصحة السابقة ..ادرك و انا اقترب من حدود القاهرة ان بلدنا شديدة الجمال حقا ..بل شديدة الروعة و تستحق الكثير و الكيثر من الجهد كي تبقي علي جمالها ..استرجع اطلال المنزل القديم و اتنهد
الصيف الماضي..هااااه ايام