كلام

الشارع دة رحنا فيه المدرسة ..اللي باقي منه باقي و اللي مش باقي اتنسي كنسوه الكناسين بالمكنسة بدموعي في لحظة اسي انا برضة كمان نسيت صلاح جاهين

Name:
Location: cairo, Egypt

Wednesday, April 22, 2009

عزيز قوم...!

عزيز قوم..!
سأتحدث اليوم عن شيئ غريب..سأتحدث اليوم ..عن شيئ نادر الوجود..سأتحدث اليوم عن كائن شارف علي الانقراض..سأتحدث اليوم عن كائن يصر علي الحياة رغم استحالتها..سأتحدث اليوم عن احد المواطنين المصريين!
هو..مواطن مصري عاد من الذين تقابلهم في الشارع و في الحافلة ..وربما كان جارك او زميلك في العمل..او للصدفة السعيدة ربما كان انت دون ان تدري ذلك!..شخصية رائعة للغاية..دمث الاخلاق الي حد مذهل و اصله عريق من العائلات المعروف عنها السمعة الطيبة ..كان في صغره يحيا في بيت العائلة الكبير ذي الحديقة آمنا مطمئنا مع عائلته الكبيرة و اخوته و اخواته ..وتمر السنون و تؤول ملكية البيت الي الورثة الذين كالعادة يقومون ببيعه كأول شيئ يفعلونه!..و سنون اخري تمر ليصبح زوجا و ابا لابناء عدة حملوا نفس الصفات الجميلة من الطيبة و حسن الخلق ..كان يحيا حياة معتادة ككافة المصريين ..ليست بشظف العيش و لا بحياة مترفة ..اي مثل معظمنا حياة مستورة تؤمّن له مستقبل آمن الي حد ما لكنها لا تعده بأي رفاهيات ..وكان يعمل في وظيفة جيدة عمل ..أي انه كان من الطبقة المتوسطة بكل معانيها المادية و الادبية و الاخلاقية..وكان تبادل الحوار معه يدب الحماسة بداخلك لذ انه كان شخصية ناضجة تسرّ للحديث معها و كان ذو شخصية اجتماعية للغاية
..كل هذا عرفته منذ صغري و حتي ايام قريبة وبما ان دوام الحال من الحال و لابد من رياح شرسة لا نشتهيها تهب بقوة فتقلب قواربنا و تتغير تضاريس الحياة من حولنا ..لظروف ما كان القدر صاحب الدور الاصغر فيها و لعب الفساد كالمعتاد الدور البطولي ..انقلبت حياته و صار عليه ان يترك شقته بالعمارة التي يقطن بها و ذلك لانها مخالفة و تحمل خطرا علي السكان ..وهي برج ضخم يضم حوالي المائة اسرة!..كلهم اصبحوا في العراء في ليلة واحدة ..ولا تسأل طبعا ما ذنب السكان في كون هناك من زوّر و بني ادوارا مخالفة و من ارتشي ليساعده علي ذلك ..لكن كالعادة يتحمل العواقب كما هو الحال دائما المواطن المسكين المقهور..والان صار عليه ان يتنقل بين بيوت الاقارب و المعارف الذين بالطبع يختفون في اوقات الشدة..وصارت عائلته الكبيرة و الابناء في مختلف المراحل الدراسية معرضين بين كل لحظة و اخري لتمضية الليل في الشارع بعد ان كانوا معززين مكرمين داخل بيتهم
..ويمر الشهر تلو الاخر دون اي اجراء من الحكومة التي تجاهلت امر السكان و كأنه لا يعنيها ليستمر ذلك الحال طويلا بانتظار تقارير الخبراء و المهندسين لتقييم حال البرج دون اي تعويض بالطبع للسكان..فمنذ متي يصرف تعويض عن الكوارث في وطننا ؟!..ويستمر التدهور اذ بدأ العمل في الندرة كالعادة في بلدنا و مصاريف الابناء في ازدياد حتي وصل الامر الي الاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم عبارة عن الفول!..كل هذا و لا يظهر اي شيئ عليه فلا ضيق ولا شكوي ..فهو رجل عزيز من اصل معروف لا يستطيع تحمل نظرة شفقة او عطف احد المعارف او الاصدقاء و بالتالي يرفض اي مساعدة بكبرياء مرددا انه بخير.و هاهو يحاول ان يفر في اول فرصه تتاح له و يسعي للحصول علي عقد عمل بالخارج
..هذة القصة الصغيرة هي نقطة في بحر من الاف القصص المشابهة بالطبع في بلدنا فالكثير بالفعل تحولوا من عزيز قوم الي اذله لظروف لا دخل لهم فيها و لا ذنب سوي للفساد الذي يهيمن علينا ..الطبقة المتوسطة تتآكل بشكل سريع لا تقدر علي استيعابه و الامور تضطرب و تختلط ببعضها البعض و لا احد ينظر ما الذي اصاب غيره طالما الاصابة لم تطاله بعد..و لم يعد هناك اي امان او ضمان لك كمواطن ..فلا لك حقوق و لا حتي ينتظر منك واجبات سوي ان تكون مهذبا و تموت في صمت دون اي جلبة او ازعاج..ففي يوم و ليلة قد يجد المرء نفسه في حال غير الحال و تنقلب حياته رأسا علي عقب لتتدمر تماما و لا يجد حوله اي قشة يتعلق بها او بادرة نجاة بل يتركه الكل يغرق ..حكومة و شعبا و الكل يحمد الله انه ليس في موقعه و هو لا يفكر انه قد يأتي عليه الدور بعد فترة طالت او قصرت..والاكثر اثارة للفزع انه لا يوجد لديك اي شهادة ضمان تمنح لك في هذة الحياة..فلا مستوي تعليم و لا وظيفة تؤمّن لك الغد و حتي لو كان لديك كل اساسيات الحياة من شقة و عمل يؤمن لك مأكلك و مشربك و ملبسك فهذا لا يعني بالضرورة انك في امان او انك بعيد عن الخطر..ففي لحظة كل هذا معرض للزوال دون اي سبب سوي مزيد من الحال المائل و الاهمال و الرشاوي و غيرها..لتجد نفسك بعدها في وضع لم تكن ابدا تتخيل وجودك فيه
..فيبدو انك كمواطن مصري تحيا علي مسئوليتك الخاصة ..فكل يوم يمر عليك و انت مازلت مصرّا علي البقاء لا يعني سوي اقترابك من حافة الخطر اكثر .فالحكومة يبدو و كأنها ترفع يدها عن مسئوليتك و تتركك وحيدا تصرّف حياتك التي تحرص عليها كما استطعت ..وياليت الامر يقف عند هذا الحد فلو حتي تنازلت و زهدت في عون الحكومة الذي لن تجده اصلا ..فانهم لن يتركوك تحاول ترميم حياتك بل يشتركون بالمعاول في هدمها لتتحول الحياة بفضل الغلاء المتوحش و الفساد الاكثر توحشا الي حلبة سباق من يسقط فيها يدوسه الاخرون
..ففي كل مرة اتذكر الرجل الذي لم يعد بشوشا كما كان لكنه ظل متماسكا ليحفظ كبرياءه .اشعر بالاف الخناجر تمزقني حين ادرك اننا اوشكنا ان نصبح جميعا- ان لم نصر بالفعل-..عزيز قوم....ذل!